المولف: أسد أميري كيان
مقدمة
شهد الاقتصاد العراقي خلال العقدين الماضيين تحولات خاصة يمكن أن تُعزى إلى حدثين رئيسيين. الحدث الأول هو غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، والحدث الثاني هو سيطرة تنظيم داعش على جزء كبير من جغرافية البلاد، مما أدى فعليًا إلى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية في قطاعات البنية التحتية مثل النفط والغاز والكهرباء وعمليات الطرق والبناء. كانت هاتان الحادثتان كافيتين لزيادة مخاطر الاستثمار الأجنبي، مما أدى عمليًا إلى عدم وجود استثمارات جدية في هذا البلد. نتيجة لهذين الحدثين، ارتفع مستوى الفساد الاقتصادي، مما جعل الحكومات العراقية ترثه بشكل ما. بالإضافة إلى ذلك، يشكل النفط حوالي 85٪ من إيرادات الحكومة و80٪ من إيرادات العملة الأجنبية، مما يعكس مستوى عالٍ من الهشاشة الاقتصادية في العراق. تُقدر الصادرات غير النفطية للعراق بأقل من 10 مليارات دولار سنويًا، والتي تتكون في الغالب من الذهب والتمور. وفقًا للإحصاءات المتاحة، يعتمد العراق على أكثر من 80٪ من السلع والخدمات من خارج حدوده بسبب ضعف البنية التحتية الإنتاجية والخدمية التي نشأت بعد سيطرة داعش. حاليًا، تعد الصين والإمارات والسعودية وتركيا والولايات المتحدة وإيران أكبر الشركاء التجاريين للعراق، حيث تصدر هذه الدول أكثر من 40 مليار دولار لهذا البلد. يبدو أن وجود الولايات المتحدة وسيطرتها على الاقتصاد العراقي لا تزال تشكل تهديدًا رئيسيًا لاستمرار النمو الاقتصادي في العراق حتى بعد مرور عقدين على احتلاله.
أدوات وأساليب الولايات المتحدة للسيطرة على اقتصاد العراق
أعلن جورج بوش في الأمر التنفيذي الرئاسي في 20 مارس 2003 بوضوح أنه بسبب حالة النزاع المسلح بين الولايات المتحدة والعراق، ومن أجل حماية مصالح الولايات المتحدة، ستتم مصادرة بعض الأصول والممتلكات العراقية ووضعها تحت سيطرة وزارة الخزانة الأمريكية. يستمر هذا الأمر حتى اليوم وقد تم استكماله باتفاقيات إضافية خلال فترة مصطفى الكاظمي التي تضع جميع إيرادات النفط الشهرية العراقية البالغة 6 مليارات دولار تحت سيطرة البنك الفيدرالي الأمريكي، مما جعل حكومة السوداني رهينة للولايات المتحدة في تلبية احتياجات بلادها. وفقًا للاتفاقيات الجديدة، يتم تنفيذ جميع الحوالات البنكية العراقية تحت إشراف الأمريكيين.
في عهد الحكومة الحالية في العراق، أكدت حكومة السوداني في أول موقف لها تجاه الوجود الأمريكي المحتل في العراق أنها لا تحتاج إلى وجود عسكري أمريكي، وأن التعاون في المجالات التعليمية والتسليحية يمكن أن يتم وفق تعريفات جديدة ونقاط وجود محددة. أدى هذا النهج من الحكومة العراقية إلى أن تقوم الولايات المتحدة بإدخال صدمة في أسعار الدولار في السوق العراقية، مما أثار أزمة اقتصادية واجتماعية وربما في المستقبل القريب أزمة سياسية في العراق.
من ناحية أخرى، عقد السفير الأمريكي في العراق 12 لقاءً مع السوداني خلال الأشهر القليلة التي تولى فيها منصب رئيس الوزراء العراقي، محذرًا إياه من إقالة المسؤولين المختارين من قبل الولايات المتحدة في الهياكل العراقية. هذا يشير بشكل أساسي إلى أن البلدان المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، من وجهة نظر رعاة البقر الأمريكيين، يجب أن تقبل نهب البلاد وانتهاك سيادتها بأذرع مفتوحة أو تتحمل الدمار والقتل والعقوبات والتنظيمات الإرهابية التي أنشأتها الولايات المتحدة. لذا يمكن الاستنتاج أن نموذج السيطرة والإطاحة والضغط والإكراه في إيران والعراق وسوريا ولبنان الذي تبنته الولايات المتحدة في العقدين الماضيين يحمل نفس الأركان، وأن جشع الولايات المتحدة وتسلطها لا نهاية لهما.
الأهداف السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة في العراق
لا تمتلك الولايات المتحدة حجم تجارة كبير مع العراق، ونفط العراق لا يحمل نفس الأهمية كما كان في عام 2003، حيث أن صادرات النفط من العراق إلى الولايات المتحدة قد شهدت تراجعًا. إلا أن الولايات المتحدة لديها أهداف سياسية مهمة في العراق، ولذلك فهي متواجدة بشكل فعال في الشرايين الاقتصادية العراقية، وأهمها حساب صندوق التنمية والبنك التجاري العراقي. حساب صندوق التنمية العراقي موجود في البنك الفيدرالي الأمريكي، وتُودع جميع إيرادات النفط العراقية في هذا الحساب. ترسل الولايات المتحدة الدولار إلى العراق على أساس أسبوعي أو شهري، والعراق لا يمتلك وصولًا مباشرًا إلى الأصول الناتجة عن صادرات النفط الخاصة به.
في عامي 2019 و2020، عندما تم اغتيال قاسم سليماني، كان قرار البرلمان العراقي هو أن القوات الأمريكية يجب أن تغادر الأراضي العراقية. في ذلك الوقت، قال ترامب في مقابلة: “إذا أرادت الحكومة العراقية متابعة قرارها، سنقوم بتجميد جميع دولارات هذا البلد الموجودة في البنك الفيدرالي”. يعتمد الاقتصاد العراقي بالكامل على النفط، وجميع إيرادات النفط تُودع في البنك الفيدرالي الأمريكي، مما يمنح الولايات المتحدة السيطرة على الاقتصاد العراقي، ويمكنها الضغط على الحكومة العراقية في أي وقت تشاء. وفقًا للبند 20 من قرار الأمم المتحدة رقم 1483 في عام 2003، يجب أن تُودع إيرادات العراق في بنك دولي. كان من المفترض أن يستمر هذا القرار خلال السنوات الأولى لحكومة العراق، لكنه لا يزال ساريًا حتى الآن، ولا يحدث أي شيء في النظام البنكي العراقي بدون إشراف أمريكي.
الاستنتاج
مع وقوع حرب الخليج الثانية وغزو الولايات المتحدة للعراق واحتلالها لهذا البلد، تدهور الوضع الاقتصادي في العراق بشكل أكبر، وأصبحت أهم مصدر للدخل الأجنبي تحت سيطرة الأمريكيين، مما أدى إلى مواجهة الاقتصاد العراقي للعديد من المشاكل الاقتصادية. من بين هذه المشاكل، فإن عدم وضوح الإيرادات الأجنبية الناتجة عن صادرات النفط من جهة، والنفقات الكبيرة لإعادة بناء الاقتصاد العراقي من جهة أخرى، يجعل من الصعب تأمين الموارد المالية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي. تصبح هذه المشكلة أكثر تعقيدًا عندما تأخذ في الاعتبار الديون الخارجية للعراق، حيث تقدر بعض التقديرات أن العراق لديه ديون خارجية تصل إلى 105 مليارات دولار. يبدو أن الولايات المتحدة راضية عن استمرار هذا الوضع في العراق للحفاظ على سيطرتها على هذا البلد.
بدون تعلیق