قبل سنوات، عندما كنت أكتب مقالات في نقد التيار المنحرف اليماني – المعروف باسم أحمد الحسن – تعرفت على أحد المطلعين العراقيين على هذا التيار وتعاونت معه بشكل جيد على فيسبوك لاحتواء هذه الفرقة الضالة.
بعد عدة أشهر من التعاون، قال لي ذات يوم:
يا فلان! كل هذه الفرق مجرد لعبة… مصيبتنا هي الإلحاد واللادينية… شبابنا تركوا أصل الدين… عدم الالتزام بالدين أسهل لهم، ولهذا السبب انتشرت رغبة واسعة في الإلحاد واللادينية بين شبابنا.”
حرية التعبير
قانون حرية التعبير والمعتقد هو أحد القوانين الأساسية في العراق بعد تشكيل الحكومة الجديدة. تم تضمين الإمكانيات الأولية لتغيير الدين في هذا القانون، ولكن بنية المجتمع العراقي والدروع الحمائية-التهديدية التي تم إنشاؤها في ظل الاهتمامات الدينية تتجاوز إمكانية أن يتحول أحد أفراد عشائر الأنبار إلى الشيعة، أو أن يتحول أحد السادة من عائلة أهل النجف إلى السنة. من ناحية، فإن كون الشاب الأنباري سنيًا يشكل درعًا حمائيًا له، ومن ناحية أخرى، فإنه تهديد كامن له إذا بدا له يومًا ما أن الفكر الشيعي أكثر معقولية، فإن نفس المجتمع الداعم يمكن أن يلعب دورًا آخر له.
ولكن الإلحاد…
الإلحاد واللادينية ليسا دينًا جديدًا. ليس الأمر أن شابًا كان يصلي بيديه مضمومتين بالأمس وأصبح اليوم يصلي بيديه مفتوحتين ويلفت الانتباه إلى نفسه. لهذا السبب، فإن نمو الإلحاد في مجتمع ما لا يظهر أبدًا بشكل مباشر، بل يظهر بطرق غير مباشرة وبشكل عرضي. مع نمو العلاقات غير الشرعية أو غير الصحية؛ مع انخفاض الإمكانات الدينية لمجتمع مسلم؛ مع تطبيع الشعائر الدينية أو المذهبية المهمة في المجتمع؛ مع التحول إلى مؤيد أو عنصر فكري للفكر الغربي أو الشرقي.
ثمرة داعش
مراهق حديث العهد باللحية، يرتدي ملابس عسكرية طينية اللون وقد لف قطعة قماش سوداء حول رأسه، يقترب من الكاميرا بسكين صغيرة نسبيًا، دون ابتسامة وبعينين مثبتتين على الأرض… يقرأ آيات متفرقة من القرآن ويفهم المشاهد أن تلك الآيات الإلهية قد دفعت هذا المراهق لفصل رأس إنسان آخر عن جسده… بعد قراءة الآيات، يضجع رجلاً يرتدي ملابس برتقالية على جنبه، ويبدو أنه قد قبل الموت قبل ذلك بكثير، ثم يفصل رأسه عن جسده.يكاد جميع المحللين يتفقون على أن موجة ميل الشعب العراقي نحو الأفكار الإلحادية قد تصاعدت بشكل متزايد منذ عام 2016 فصاعدًا. يؤكدون جميعًا أن الإلحاد هو ثمرة وجود داعش في العراق. وينقسم هذا الإلحاد إلى قسمين رئيسيين:
الإلحاد العميق: أي الإلحاد الذي له خلفية فكرية. الشخص لديه قضايا جدية في ذهنه مع الأديان والإيمان بوجود الله والأنبياء وحدوث المعجزات، وعقله مستعد للنقاش. هذا الفكر قد جرى في جسده أيضًا، ولم يعد ملتزمًا بأي من أصول الدين الإسلامي ويفعل ما يراه صحيحًا بعقله.
الإلحاد السطحي: أي الإلحاد الذي له جانب خارجي واجتماعي. نوع من التدين المتساهل حيث يواصل الفرد حياته دون الاهتمام بالصلاة والواجبات الدينية وواجبات المسلم، ولكنه يؤمن بوجود الله والأفكار الغيبية الإسلامية في اللسان أو في القلب.
سلوان موميكا
ربما يكفي هذا الاسم لنعرف أننا يجب أن نأخذ مسألة الإلحاد في العراق على محمل الجد. سلوان موميكا هو لاجئ مسيحي عراقي أثار موجة من حرق القرآن بعد لجوئه إلى أوروبا، مما تسبب في العديد من التوترات في المجتمع الإسلامي، خاصة في العراق. على الرغم من أن سلوان شخصية مشكوك فيها وأفعاله نوع من الخداع والتركيز على الذات – حيث انضم سابقًا إلى الحشد الشعبي خلال فترة داعش على الرغم من كونه مسيحيًا – إلا أن وجود أشخاص مثله يثير المخاوف من أن الفكر الإلحادي في العراق قد يجد بطلاً ورائدًا لنفسه، وهنا سيجد الإلحاد واجهته وستستمر جاذبيته في الصعود.
الإمكانيات
الإمكانيات متاحة في إيران لنقد الفكر الإلحادي باللغة العراقية وخصيصًا للعراق. إيران تواجه منذ سنوات الأفكار الإلحادية الغربية وقد اكتسبت خبرة – شاءت أم أبت – في الدفاع عن البنية الفكرية الإسلامية – خاصة الشيعية.إن إنشاء حركة هادفة وهادئة لنقد الأفكار الإلحادية سيكون بالتأكيد أرضية جيدة للنشاط وإحداث تأثيرات إيجابية ومتبادلة بين البلدين.
ما وراء الكواليس
قام موقع “وجهات النظر” التحليلي بتحليل أسباب انتشار الابتعاد عن الدين على النحو التالي:
أ. دخول أفراد أو عصابات فاسدة إلى التيارات الإسلامية.
ب. توسع الإسلام السياسي مع الفشل في استراتيجية تنمية العراق.
ج. استغلال الشخصيات السياسية للدوافع الطائفية الدينية للحصول على الأصوات البرلمانية أو المناصب الحكومية.
د. تنفيذ أعمال عنف وإرهاب باسم دين الله من قبل الجماعات المتطرفة.
ه. أناقة الفكر اللاديني والأفكار شبه المثقفة والحديثة.
و. الانتشار الواسع للمواقع الإلكترونية التي تنشر العقائد الإلحادية بين الشباب وإثارة الشبهات المتعددة حول الأديان مع التركيز على الدين الإسلامي.
ز. نجاح المنظمات الإلحادية في جذب الشباب.
ماذا يمكن أن نفعل؟
نظرًا لأن الإلحاد يشكل قلقًا لجزء مهم من المجتمع العراقي، فإن بدء حملة لدفع الأفكار الإلحادية في العراق سيلقى بالتأكيد ردود فعل إيجابية من جميع المجتمعات المهتمة بهذا البلد. فيما يتعلق بكيفية مواجهة الأفكار الإلحادية، هناك حاجة إلى الحوار وتبادل الآراء ووجود رأس مال أولي لبدء حركة مستمرة لمكافحة الإلحاد في المجتمع العربي، خاصة العراقي.
بدون تعلیق