الاستثمارات العربية الخليجية في العراق: التحديات والفرص

مقدمة

المولف: مسعود کیا

شهدت العلاقات والتفاعلات بين الدول العربية في الخليج الفارسي والعراق تجارب متقلبة. سياسة صدام حسين المعادية للثورة الإسلامية في إيران وبدء الحرب التي فرضتها أدت إلى دعم واسع من الدول العربية لنظام البعث. لكن بعد التوترات في عام 1990 والغزو العراقي للكويت، تغيرت المواقف العربية تجاه صدام، حيث بدأت الدول العربية في اعتبار صدام تهديدًا فعليًا وسعت للتعاون الدولي لمواجهة واحتواء نظامه البعثي. بعد عام 2003 وصعود قادة جدد في العراق، اعتقدت بعض الدول العربية أن الحكومة ستكون تحت سيطرة أشخاص قريبين منهم، لكن مع صعود الشيعة إلى السلطة وارتباطهم بالجمهورية الإسلامية في إيران، حاولت بعض الدول العربية ضعف الحكومة المركزية من خلال دعم الإرهاب السني المتطرف والقوميات، ولكن هذه الجهود فشلت وأدت إلى تشكيل مجموعات المقاومة والحشد الشعبي، مما زاد من قوة ونفوذ الشيعة سياسيًا وزاد من وزن بعض الجماعات السنية والقوميات الأخرى ودعمهم للمقاومة السياسية للشيعة في العراق.

بعد هزيمة داعش، أدركت بعض الدول العربية أن دعم الجماعات الإرهابية لضعف الحكومة المركزية في العراق كان مشروعًا فاشلاً، وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، جعلوا الحكومة المركزية وقادتها أكثر تماسكًا وقوة، ولذا وضعت تغيير في سياسات ومواقف الدول العربية تجاه العراق على جدول أعمالها، ومنذ عام 2017-2018، كاننا نشهد اقترابًا في العلاقات بين الدول العربية والحكومة المركزية العراقية بهدف دمج العراق ببطء في السياسات الإقليمية المطلوبة من قبل المحور الغربي-العبري، مثل اتفاقية السلام مع إسرائيل والتصدي لإيران الإسلامية من خلال حوافز اقتصادية، والاستثمار في البنى التحتية، وتيسير العلاقات التجارية، وزيادة تأثيرها السياسي على القادة السياسيين العراقيين وتحت الضوء العام في العراق.

الفرص

من وجهة نظر الاقتصاد السياسي، تعتمد استقرارات الأمن والسياسة في العراق على تطوير الاقتصاد الداخلي لهذا البلد؛ إذ إن الفقر وعدم التنمية سيشكلان منصة للأزمات الأمنية والسياسية لحكومة العراق. سعت حكومة العراق إلى تقديم العراق كأرض جذب للاستثمار الاقتصادي بهدف تعويض عقود من التأخر في تطوير البنية التحتية الحيوية مثل تطوير شبكات الكهرباء وتوسيع حقول النفط والغاز والصحة، لكي تتمكن من التفوق على أزماتها الداخلية من خلال جذب الاستثمارات. في هذا السياق، يعتقد محمد شيع السوداني أنه حتى يتم ربط دول المنطقة بمشاريع كبيرة اقتصادية ومصالح الاستثمار ببعضها البعض، لن يكون لدى العراق استقرار.

عبرت دول الخليج العربي عن استعدادها ورغبتها في الاستثمار في العراق مثل قطر التي أعلنت عن استعدادها للاستثمار مبلغ 5 مليارات دولار في مجالات الطاقة، البنية التحتية، الصحة، وإقامة المجمعات السكنية والفنادق والمراكز التجارية. كما انضمت الإمارات إلى هذا النهج من خلال الاستثمار في عدة مشاريع، وزارة الاستثمار السعودية أيضاً لم تتخلف عن هذه القافلة وقد زار فريق من شركة “أجيال” العراق بهدف مناقشة إمكانية بناء مصنع للبتروكيماويات بطاقة إنتاجية تبلغ مليون ونصف طن في البصرة، مصفاة لإنتاج منتجات النفط ومحطات الكهرباء.

من جهتها، عبرت دول الخليج العربي بعد تغيير مواقفها منذ عام 2017، عن تصميمها على مشاريع واسعة النطاق للتنمية الاقتصادية التي تعتمد نجاحاتها بشكل كبير على الاستقرار الأمني في المناطق المحيطة مثل العراق. في هذا السياق، فإن استيعاب ودمج ناعم للعراق واحتواء الجمهورية الإسلامية يعتبرا خيارًا أقل تكلفة من التصادم الصعب.

التحديات

تواجه حكومة العراق تحديات عميقة في جذب وتسهيل الاستثمارات الأجنبية. يجلب النشاط الاقتصادي للدول العربية في الخليج الفارسي فرصة لنشاطها السياسي والأمني في الهيكل الحاكم للعراق. من ناحية أخرى، فإن العراق يحتل مكانة خاصة في شبكة الجبهة المقاومة الجيواستراتيجية في المنطقة، وسيتسبب أي نشاط غير مواتٍ في الأمن والسياسة في المنطقة في احتكاكات عسكرية وأمنية على أعلى المستويات، حيث سيكون العراق في مركز الجاذبية لهذه التغيرات. تحول العراق إلى “ساحة لعب” لاحتواء إيران أو نزع سلاح الجبهة المقاومة في العراق من خلال أدوات اقتصادية ستكون معرضة للصراعات الثقافية والدينية والمنافسات السياسية والأمنية بين إيران والعراق، والدول العربية المذكورة ليست موحدة في سياسة متكاملة بشأن القضايا الإقليمية.

على الرغم من النجاحات الكبيرة للجبهة المقاومة في محاربة الإرهاب، إلا أن الظروف الثقافية والاجتماعية والقومية في العراق تجددت وأصبح الإرهاب ديناميكيًا، وبجانب توزيع واسع للأسلحة والأجهزة العسكرية بين الجماعات شبه العسكرية غير المتوافقة مع الحكومة، فإنه يمكن أن يكون أزمة في التحولات الاجتماعية المستقبلية في العراق.

الاستنتاجات

العراق بحاجة ماسة لجذب الاستثمارات الأجنبية وتعميق العلاقات الاقتصادية مع الجيران، حيث تعتمد استقرارات سياسية العراق إلى حد كبير على تطوير اقتصادي لهذا البلد. على الرغم من التحديات والفرص المطروحة، يبدو أن استثمارات الدول العربية الخليجية لن تجلب قدرات مضافة خاصة للتنمية الاقتصادية في ظروفها الحالية للعراق ولن تلعب دورًا فعالًا في الحفاظ على استقرار وأمن العراق.

اسکن کنید

بدون تعلیق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *