المؤلف: مسعود كيا
المقدمة
الوضع السياسي والاجتماعي للنساء العراقيات معقد ومتعدد الجوانب، نتيجة للتحولات الكبيرة التي شهدها العراق في العقود الأخيرة. من سقوط نظام البعث عام 2003 إلى محاربة تنظيم داعش والإصلاحات الأخيرة، واجهت النساء العراقيات العديد من التحديات والمشكلات. تهدف هذه المقالة إلى استعراض الوضع الحالي للنساء في العراق وتحليل التأثيرات السياسية والاجتماعية والثقافية على حقوقهن وأوضاعهن.
1.تاريخ حقوق النساء في العراق
لعبت النساء العراقيات أدوارًا متنوعة في المجتمع منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث. خلال الحكم العثماني والفترة اللاحقة من الملكية الهاشمية، بدأت النساء تدريجياً في دخول المجالات العامة والتعليمية. بعد ثورة 1958 وتأسيس الجمهورية، بدأت الجهود لتحسين وضع حقوق النساء. كفل الدستور العراقي لعام 1970 حق المشاركة للنساء في مختلف المجالات، وشهدت السبعينيات والثمانينيات زيادة في مشاركة النساء في التعليم والعمل والسياسة. ولكن، مع صعود نظام صدام حسين والحروب المستمرة، تدهورت أوضاع النساء تدريجياً.
2.فترة ما بعد سقوط صدام حسين
بعد سقوط نظام البعث عام 2003، وبدء مرحلة جديدة في تاريخ العراق، شاركت النساء العراقيات في مجالات مختلفة باعتبارهن من الفئات الأكثر تأثراً بهذه التغييرات. خلال هذه الفترة، دعم الدستور العراقي الجديد (المصادق عليه عام 2005) حقوق النساء بشكل صريح، وتم إقرار حصة بنسبة 25% لتمثيل النساء في البرلمان. ومع ذلك، لم تتمكن هذه الإصلاحات القانونية وحدها من حل جميع التحديات التي تواجهها النساء العراقيات. فالحروب الداخلية، وانعدام الأمن، والعنف، والفساد المتفشي، جعلت العديد من النساء يواجهن صعوبات متزايدة في حياتهن اليومية وفي الوصول إلى حقوقهن.
3.تأثير انعدام الأمن والعنف
منذ بداية الحرب ضد داعش عام 2014، تأثرت النساء بشكل مباشر. تعرّض العديد منهن للعنف الجنسي، والخطف، والاتجار بالبشر. ووفقًا لتقرير الأمم المتحدة، أُسرت أكثر من 6,800 امرأة وفتاة من الطائفة الإيزيدية من قبل قوات داعش بين عامي 2014 و2017، وتعرض الكثير منهن للاغتصاب والاستغلال الجنسي. تُعدّ هذه المأساة من أسوأ الأمثلة على العنف ضد النساء في الحروب الحديثة. بالإضافة إلى ذلك، ذكر تقرير صادر عن «اللجنة الدولية للإنقاذ» (IRC) أن العنف ضد النساء في المناطق المتأثرة بالحروب في العراق قد ازداد بشكل ملحوظ. ووفقًا للتقرير، أبلغت 10% من النساء العراقيات عن تعرضهن للاغتصاب أو الاستغلال الجنسي في عام 2016. كما أن 24% من النساء أشرن إلى تعرضهن للعنف المنزلي، وهي نسبة زادت بسبب الظروف الصعبة والضغوط الاجتماعية الناجمة عن الحرب والنزوح. حتى بعد هزيمة داعش، ما زالت النساء الناجيات من الحرب يواجهن الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية. ووفقًا لإحصائيات من منظمات حقوق الإنسان، يعاني حوالي 30% من النساء اللواتي كنّ في المناطق التي يسيطر عليها داعش من اضطرابات نفسية شديدة مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
من ناحية أخرى، يزداد العنف المنزلي والاستغلال الجنسي في العراق. وفقًا لتقرير وزارة الداخلية العراقية عام 2020، زاد عدد حالات العنف المنزلي المبلغ عنها بشكل ملحوظ. وبحسب هذه الإحصاءات، تم تسجيل أكثر من 5,000 حالة عنف منزلي ضد النساء في النصف الأول من عام 2020، وقد تفاقمت هذه النسبة نتيجة للحجر الصحي بسبب جائحة كورونا. وأظهر التقرير أيضًا أن 46% من هذه الحالات تتضمن اعتداءات جنسية أو إساءة جسدية. كما أظهرت دراسة أجرتها «لجنة حقوق الإنسان العراقية» في عام 2021 أن 27% من النساء العراقيات تعرضن للعنف المنزلي مرة واحدة على الأقل في حياتهن. وكشفت الدراسة أيضًا أن 16% من النساء اللواتي تم فحصهن تعرضن للاستغلال الجنسي داخل المنزل، في حين تم الإبلاغ عن نسبة قليلة فقط من هذه الحالات إلى السلطات القانونية.
في عام 2019، أفادت «منظمة الصحة العالمية» (WHO) أن 37% من النساء العراقيات تعرضن لنوع من أنواع العنف الجنسي أو الجسدي أو النفسي خلال حياتهن. تشير هذه الإحصائيات إلى الوضع الحرج للنساء في العراق وضرورة تعزيز الإجراءات القانونية والداعمة لمواجهة هذه الأنواع من العنف. تظهر هذه الأرقام بوضوح أن انعدام الأمن والعنف، وخاصة العنف المنزلي، يمثلان أحد أبرز التحديات التي تواجهها النساء العراقيات. هذا العنف لا يؤثر فقط على صحتهن الجسدية والنفسية، بل يحد أيضًا من مشاركتهن الاجتماعية والاقتصادية.
- المعوقات الثقافية والاجتماعية
بالإضافة إلى المشكلات الأمنية، تواجه النساء العراقيات معوقات ثقافية واجتماعية كبيرة. المجتمع العراقي مجتمع ذو قيم تقليدية ومحافظة، حيث تكون الأدوار الجندرية محددة ومقيدة للغاية. لا تزال العديد من الأسر لا تعتبر تعليم النساء وعملهن أولوية، كما أن الزواج القسري والمبكر لا يزالان شائعين. هذه المشكلات تجعل النساء يواجهن تحديات كبيرة في الوصول إلى الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي. وعلى الرغم من إقرار قوانين جديدة لصالح حقوق النساء في العراق، يواجه تنفيذ هذه القوانين صعوبات بسبب المعوقات الثقافية والاجتماعية. لا يزال النظام القضائي والقانوني في البلاد متأثراً بالتقاليد الأبوية، وغالبًا ما تُتجاهل القضايا المتعلقة بالعنف المنزلي والاغتصاب بسبب نقص في تنفيذ القانون وغياب الدعم الكافي. بالإضافة إلى ذلك، ترفض العديد من النساء متابعة حقوقهن القانونية بسبب الخوف من الانتقام الاجتماعي أو الانتقام الأسري.
الخاتمة
الوضع السياسي والاجتماعي للنساء في العراق يعكس تعقيدات وتحديات تاريخية وثقافية وأمنية يواجهها هذا البلد. على الرغم من تحقيق بعض التقدم في حقوق النساء في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك مشكلات كبيرة لا تزال قائمة. تحتاج النساء العراقيات إلى دعم قانوني واجتماعي ودولي أوسع لتحقيق حقوقهن. إن تحقيق المساواة بين الجنسين وتحسين وضع النساء في العراق ضروري ليس فقط لهذه الفئة، بل أيضًا لتحقيق التنمية المستدامة واستقرار البلاد بأكملها. لذلك، من الضروري استمرار الجهود لتحقيق الإصلاحات القانونية، وتقليل انعدام الأمن، وتغيير النظرة الثقافية في المجتمع العراقي لكي تتمكن النساء من أداء دورهن الكامل في البنية الاجتماعية والسياسية للبلاد.
بدون تعلیق