المؤلف: مسعود كيا
الأصولية التكفيرية وأسباب نشأتها موضوع مثير للجدل تواجهه غرب آسيا. إن الإحباط والإذلال التاريخي والفوضى والظلم وعدم الاستقرار وفشل أفكار بناء الأمة السابقة إلى جانب التدخلات الغربية وإنشاء الدولة الصهيونية في المنطقة وهزيمة العرب في مواجهتها، من أهم أسباب دفع بعض الجماعات إلى خلق فكرة جديدة وتأسيس فكر جديد لمحو الإخفاقات وإحياء حنين الماضي المشرق. إن الانتباه إلى حقيقة أن جميع الجهود السابقة لتكوين الدولة – الأمة قد فشلت، وأن الإذلال وعدم التنمية والتبعية ونفوذ الأجانب وفشل الأيديولوجيات والأفكار مثل القومية والبعثية والقومية العربية، أدى إلى تراكم الإخفاقات والهزائم، وفي وقت الفراغ في السلطة، تهيأت الأرضية المناسبة لترسيخ فكر التكفير لإعادة إنتاج الماضي المجيد.أزمة الهوية الوطنيةمن منظور اجتماعي، فإن أكبر وأعقد أزمة سياسية واجتماعية في العراق هي أزمة الهوية الوطنية في هذا البلد. بعبارة أخرى، كانت عملية بناء الدولة – الأمة في العراق مصطنعة والجغرافيا الإقليمية للعراق من صنع الاستعمار. بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، تشكلت الجغرافيا الإقليمية للعراق على أساس اتفاقية سايكس – بيكو الاستعمارية بين فرنسا وبريطانيا، ووضع العراق تحت الانتداب البريطاني. من هذا المنظور، في تاريخ العراق الحديث، كان الصراع وعدم الاستقرار وعدم شرعية الدولة والطائفية والعسكرة والنفوذ الأجنبي الواسع في العراق ليس استثناءً، بل نمطًا دائمًا.أسباب ظهور الجماعات التكفيرية في العراقتحولت أزمة الهوية الوطنية إلى أرض خصبة تنمو فيها بذور الإرهاب والتطرف. فيما يلي الأسباب والعوامل الرئيسية لهذه الظاهرة:
- الحنين إلى العظمة التاريخية: إن الحسرة على الماضي المشرق والعظيم للحضارة التاريخية العراقية، ومقارنتها بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي البائس من قبل عامة الناس، خلق شعورًا بالإذلال والإحباط لمجتمع هذا البلد.
- التدخل الأجنبي: كانت الأنظمة السياسية في العراق، بسبب افتقارها إلى الدعم الوطني، دائمًا معتمدة على الدعم الخارجي. كانوا يضمنون استمرار حياتهم السياسية من خلال القمع العسكري الشديد لشعبهم إلى جانب التبعية الأمنية والسياسية الشديدة للقوى الكبرى. على سبيل المثال، كان أحد دوافع انقلاب حزب البعث ضد النظام الملكي في هذا البلد هو عضوية هذا البلد في حلف السنتو أو بغداد.
- فشل فكرة القومية العربية والبعثية: حاول نظام صدام حسين إحياء الماضي المشرق للعراق من خلال فكرة بناء هوية وطنية حول القومية العربية. ومع ذلك، تحول أداء هذا النظام إلى صدمة تاريخية في أذهان الشعب العراقي. القتل والقمع الوحشي للشيعة والأكراد على أساس سياسة التعريب، والتهجير القسري، والنفي الجماعي، وجريمة الأجيال والأنفال، والقومية الشديدة وقمع العشائر، وتسلط عشيرة تكريت مسقط رأس صدام على جميع المناصب والمراكز السياسية والأمنية والاقتصادية الهامة هي أمثلة على الأداء الكارثي للبعثية في العراق. إن أكبر ضحية للبعثية في العراق لم تكن الأكراد ولا الشيعة، ولا القصف الكيميائي للمدنيين العزل في حلبجة، ولا مذبحة الانتفاضة الشعبانية، ولا المقابر الجماعية، بل كانت الهوية الوطنية في العراق.
- القضية الكردية: القضية الكردية في العراق هي واحدة من القضايا السياسية الحادة الأخرى في هذا البلد. الأكراد في العراق يعتبرون أنفسهم أكرادًا أكثر من كونهم عراقيين. لطالما سعت هذه الأقلية إلى الاستقلال كلما ضعفت الحكومة المركزية في العراق. قبل الغزو الأمريكي للعراق، كانت العلاقات بين الأكراد والحكومة المركزية العراقية دائمًا متوترة ودموية. ارتكب صدام أكبر مذبحة وجريمة ضد الأكراد. هذا الحدث التاريخي المؤلم ألقى بظلاله على مستقبل العلاقات بين الأكراد والحكومة المركزية. في عراق ما بعد صدام، تم السعي لكبح جماح نزعاتهم الانفصالية من خلال سياسة المحاصصة واختيار رئيس الجمهورية من بين الأكراد وتخصيص 17٪ من إجمالي الدخل الوطني للأكراد، لكن هذه المسألة تحولت إلى وضع معقد في المشهد السياسي العراقي ومن هذا المنظور فإن خطر تفكك العراق وانهياره جدي للغاية.
- إنشاء النظام الصهيوني: تشهد الدراسات التاريخية على أن تأسيس إسرائيل خلق أكبر إذلال وإحباط بين العرب. إن اغتصاب فلسطين كدولة عربية وفشل جميع محاولات الدول العربية في مواجهة هذا النظام في حروب 1958 و1967 و1973 وفقدان صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان الأردنية والسورية ومناطق من لبنان وعدة جزر سعودية في خليج العقبة لصالح إسرائيل واستسلام قادة الدول العربية في هذا الصدد، وجه ضربة قوية لكبرياء وشرف جميع العرب. أدى هذا إلى فقدان مصداقية أفكار مثل القومية العربية والبعثية في العالم العربي ومهد الطريق لنمو وتطور الروايات البديلة.
- الفساد والفقر والبطالة: أحد الأسباب الأخرى للشعور بالإذلال والإحباط هو الوضع الاقتصادي المعقد والكارثي في العراق. إن ضعف البنية التحتية والفقر الواسع النطاق والفساد الاقتصادي العميق وهدر الموارد قد فاقم ظروف وأرضية عدم الاستقرار والتطرف وأزمة الهوية الوطنية.
لقد تحولت أزمة الهوية الوطنية في العراق إلى قضية مهمة في المشهد السياسي العراقي وألقت بظلالها على أمن واستقرار هذا البلد في المستقبل. إن الحنين إلى الماضي العظيم والتاريخي، وتدخل الأجانب في هياكل صنع القرار في العراق، واستسلام وخضوع المسؤولين السياسيين للقوى الكبرى الإقليمية والدولية، والفساد السياسي والاقتصادي الواسع النطاق، والفقر والبطالة، وفشل أفكار القومية العربية والبعثية وصدمة إنشاء إسرائيل مهدت الطريق لطرح أفكار بديلة ومعرِّفة للهوية في العراق. لقد ظهرت الأصولية السلفية في الفراغ الناتج عن أزمة الهوية الوطنية، في محاولة لتوفير هوية بديلة.(المصدر: هذا التحليل مأخوذ من كتاب “تحديات الهوية العراقية، أرضية لظهور وبروز الجماعات التكفيرية” للكاتب سيد رسول حسيني)
بدون تعلیق