مقدمة
تولى الشهيدان رئيسي وأمير عبداللهيان الحكومة ووزارة الخارجية في عام 1400 في ظل ظروف كانت فيها البلاد على حافة نزاع واضح مع الجيران. كان من بين الأحداث المهمة في حكومة رئيسي هو إزالة الثنائية المزيفة بين الميدان والدبلوماسية. في بداية فترة رئاسته، وعد الشهيد سيد إبراهيم رئيسي بأن السياسة الخارجية للحكومة لن تقتصر على الاتفاق النووي بل ستسعى لتطوير العلاقات مع جميع دول العالم وخاصة الدول المجاورة. وفي هذا الإطار، تم تعيين الشهيد حسين أمير عبداللهيان في منصب وزارة الخارجية. يمكن رؤية نتيجة هذه الاستراتيجية في طريقة تعامل دول العالم، وخاصة الدول المجاورة، مع استشهاد الرئيس ووزير الخارجية. يشير النظر إلى التاريخ الطويل للعلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والأكراد في العراق إلى أن إيران كانت دائماً أفضل صديق للأكراد في العراق، وكانت دائماً أفضل رفيق وملجأ لهم في مختلف الأحداث والوقائع على مدار العقود الماضية، ولم تتوانى في تقديم أي مساعدة لهم. الدعم الإيراني للأكراد في العراق كان لدرجة أن نيجيرفان بارزاني، خلال لقائه مع رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أشار إليه وقال: “أساس العراق الجديد والعلاقات الحالية بيننا هو نتيجة للتعاون المبارك بين إيران والعراق، لذا فإن إيران ليست مجرد جار لنا. لو لم تكن هناك الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية، لما كان مصير الحركة الكردية كما هو اليوم. احترام هذه التعاونات والتفاعلات هو خط أحمر لن نتجاوزه أبداً”. تأكيد بارزاني على أهمية العلاقات بين طهران وأربيل وطهران وبغداد يشير إلى مكانة إيران في التحولات الإقليمية، وهي مسألة تسعى الدول الغربية لخلق تحديات فيها؛ لكن على الرغم من كل المؤامرات، لم تتقلص هذه المكانة والدور بل ازدادت بشكل ملحوظ بحيث أصبح تحقيق الاستقرار في العراق أمراً مستحيلاً بدون مشاركة وحضور إيران.
التحديات والفرص
على الرغم من أن العلاقات بين إيران وكردستان العراق قد شهدت تقلبات عديدة على مدى العقود الماضية، إلا أن نظرة إيران إلى كردستان العراق كانت دائماً أخوية. بفضل هذه النظرة، وبفضل اللواء الشهيد قاسم سليماني، دعمت إيران بشجاعة إقليم كردستان العراق عندما تُرك وحيداً خلال هجوم داعش، وقامت فوراً بإرسال المعدات والذخائر والقوات لإحباط تهديد داعش بالسيطرة على إقليم كردستان. هذه المسألة تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً من قبل مسؤولي الإقليم مثل مسعود بارزاني، وأشير إليها مرة أخرى من قبل نيجيرفان بارزاني في زيارته الأخيرة ولقائه مع الشهيد آية الله رئيسي. كان إقليم كردستان العراق منذ قبل الثورة 1979 قاعدة لعوامل النظام الصهيوني. هناك أسرتان تحكمان هذا الإقليم، واحدة منهما لها علاقات خاصة مع تل أبيب. تحولت صلات العوامل الصهيونية مع الانفصاليين إلى تحدٍ أمني لإيران. في الأعوام 1400، 1401 و1402، استهدفت القوات المسلحة الإيرانية نقاط وجود العوامل الصهيونية في هذه المنطقة. في حكومة الشهيد رئيسي، وصلت التنسيق بين الدبلوماسية والقوة العسكرية إلى نقطة حيث قام “نيجيرفان إدريس مصطفى بارزاني”، رئيس إقليم كردستان العراق، بزيارة إيران بعد ثلاث سنوات لتعزيز العلاقات بين طهران وأربيل، وكان لعملية “الوعد الصادق” دور في تسريع هذا الحدث. في هذا السياق، أشار الشهيد رئيسي إلى أن الحكومة والشعب الإيراني يعتبرون أمن العراق كأمنهم، وأضاف: “نحن نثق في نية وإخلاص إخواننا العراقيين والأكراد، ولكن بالنظر إلى العداء الذي يكنه أعداءنا مثل النظام الصهيوني ضد الشعب الإيراني، نتوقع أن تقوم حكومة العراق وإقليم كردستان بمنع أي استغلال لعناصر العدو الصهيوني والعناصر المناهضة للثورة من استخدام أراضي هذا الإقليم ضد إيران”.
أدرك مسؤولو كردستان العراق جيداً أن الارتباط مع النظام الصهيوني لن يحقق لهم أي مكاسب خاصة، بل سيؤدي إلى غضب واستياء أفضل أصدقاء كردستان العراق وهم الجيران مثل إيران. حاولت إسرائيل في السنوات الأخيرة استثمار اللاعبين الصغار والأضعف في المنطقة وتحويل وعودهم الكثيرة إلى أدوات للضغط على حكومات المنطقة وإجبارهم على وقف الضغوط على إسرائيل. في هذا السياق، كان كردستان العراق أحد خيارات هذه الخطة الصهيونية الشريرة، وحاولت إسرائيل الحضور في منطقة كردستان العراق والارتباط مع إقليم كردستان العراق لتكوين أداة ضغط على إيران والعراق في مسار محور المقاومة. هذا الارتباط بين كردستان العراق وإسرائيل أدى في السنوات الأخيرة إلى استغلال إسرائيل وسوء استخدامها، وكذلك إلى سوء الظن بين جيران الإقليم وحكومة العراق تجاه هذه المسألة. لا شك أن أي ارتباط من قبل مجموعة، مسؤول، أو مؤسسة أو حكومة في المنطقة مع إسرائيل في ظل الغضب من جرائمها في غزة يُعتبر ضرراً مطلقاً وعاراً كبيراً عليهم ومكسباً كبيراً لإسرائيل.
الاستنتاجات
كان الشهيد آية الله رئيسي دائماً يسعى من خلال سياسته تجاه العراق إلى تحقيق عراق آمن وقوي، وكان يؤكد أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر أمن العراق كأمنها ليس بالكلام فقط بل بالعمل، وفي هذا السبيل امتزج دماء الشعبين معاً. كان يعتقد أيضاً أن العلاقات بين إيران والعراق يجب أن تستمر في تقدمها حتى يُحبط الأعداء من كلا البلدين وعلى رأسهم النظام الصهيوني. على مدار العقدين الماضيين، كانت أهم الخطوط الحمراء المعلنة والعملية لإيران فيما يتعلق بكردستان العراق هي وجود النظام الصهيوني في هذه المنطقة وكذلك وجود الجماعات الانفصالية الكردية في الحدود العراقية الإيرانية. هذا القلق الأمني الذي كان محور أهم المشاورات بين المسؤولين السياسيين والأمنيين الإيرانيين والعراقيين على مدى العقد الماضي أدى في النهاية إلى اتفاق أمني بين إيران والعراق العام الماضي وتحديد مهل متعددة للمسؤولين العراقيين وكذلك مسؤولي إقليم كردستان العراق.
بدون تعلیق