المقدمة
بعد اعتزال مقتدى الصدر للنشاط السياسي في عام 2022، والذي جذب انتباه الرأي العام في العراق، كان استخدامه لعبارة “التيار الوطني الشيعي” بدلاً من “التيار الصدري” هو ما لفت الانتباه لأول مرة. ومن قبل ذلك، شاركت جماعة بقيادة مقتدى الصدر تحت أسماء مختلفة مثل: الصائرون، الأحرار، والكتلة الصدرية، في النظام السياسي الحالي في العراق على مدى السنوات الحادية والعشرين الماضية، ولكن كل هذه الأسماء كانت مجرد أسماء لفروع تابعة لجماعة الصدر. لكن الخطوة الأخيرة ليست مجرد اسم لفرع واحد، بل تبدو تدل على تغيير في استراتيجيات مقتدى الصدر.
أهداف مقتدى الصدر
من هذه الخطوة لفهم وتقييم أهداف مقتدى الصدر في تأسيس التيار الوطني الشيعي، يجب النظر إلى الخلف قليلاً. في الانتخابات عام 2021، نجح مقتدى الصدر في أن يكون الأول بقوة بـ 73 مقعداً بين تيارات الشيعة السياسية. بعد ذلك، حاول أن يظهر نفسه كزعيم موحد للشيعة في المسائل السياسية في العراق، وفي هذا السياق شكل تحالف “إنقاذ الوطن” كأول فريق شيعي مع حزب الديمقراطيين وائتلاف السيادة، الذي يضم حوالي 170 نائب. ومع ذلك، لم تتمكن جميع هذه الخطوات في النهاية من تحقيق هدف مقتدى الصدر في تشكيل حكومة صدرية، وعلى أثر اعتزاله السياسة في أغسطس 2022، فقد خسر تلك الـ 73 مقعداً بالفعل.
ولكن إجراءات مقتدى الصدر في التأكيد على الخطاب القومي لم تصل إلى طريق مسدود فقط، بل خلقت تحدياً جديداً أمامه. يعتقد الخبراء أن التركيز المفرط على القومية أعطى هذه الفرصة إطاراً منسجماً يجعل جماعة الصدر تبدو معادية للشيعة، أو على الأقل تجعلها خارجة عن تيار الشيعة. وفي هذا السياق، يبدو أن الجهود الأخيرة لمقتدى الصدر للتواجد في دار آية الله السيستاني وأمر حل العتبة الصدرية وطلب من أتباع هذا الحركة الاندماج مع باقي العتبات الشيعية، كانت أكثر للتأكيد على هوية حركة الصدر أمام هجمات إطار التنسيق الشيعي وسائل الإعلام.
لذا، تغيير اسم هذا التيار إلى “التيار الوطني الشيعي” ليس فقط بمرحلة هجومية لعدم إظهار إطار التنسيق الشيعي كمنافس لهذا التيار، بل لديه أيضاً مرحلة دفاعية. وفي هذا السياق، يسعى مقتدى الصدر إلى إظهار أن حركته نشأت من داخل المجتمع الشيعي وجزء من هيكله الاجتماعي والديني.
لكن الهدف الآخر من هذا الإجراء هو تسهيل العودة إلى السياسة، وفي هذا الصدد، يحتاج مقتدى الصدر إلى استيعاب الطبقة الرمادية من الشيعة والطبقة العلمانية بشكل استراتيجي، وليس فقط عن طريق الانتخابات. ويبدو أن مقتدى الصدر بحاجة إلى تجاوز الوصاية والإغلاق وجعل جماعته مفتوحة، ولهذا السبب اختار هذا الاسم. يمكن فهم أهمية هذه الجهود من خلال هدف مقتدى الصدر في تشكيل حكومة صدرية في عام 2021؛ ففي رأي المراقبين، كان هدفه في ذلك العام هو تهيئة الأرضية للقيادة السياسية الموحدة لتيار الشيعة في العراق، لكن بما أن هذه التهيئة لم تتحقق من خلال تلك الاستراتيجية، يبدو أن مقتدى الصدر الآن يحاول تحقيق هذا الهدف مرة أخرى بتوجيه التركيز على التعددية والتأكيد على القومية والدين.
التحديات التي تواجه مقتدى الصدر في هذا الطريق
يبدو أن مقتدى الصدر يواجه ثلاث تحديات رئيسية في هذا الطريق
- من الناحية الشخصية، يظهر مقتدى الصدر كمتقلب الشخصية، ضعيف وغير مسؤول بشكل كبير. واحدة من التحديات الرئيسية هي ضعف شخصية ومنشأ مقتدى الصدر في السياسة وقيادة التنظيمات والحركات الاجتماعية الشيعية في سماء المسائل والتفاعلات الاجتماعية والسياسية في العراق.
- التحدي الأول يتعلق بجذب الشباب التشرينيين؛ لأنها وفقًا لتجربة النواب المستقلين في البرلمان الحالي، فإن التشرينيين بمفردهم لا يستطيعون ممارسة العمل السياسي، وتحتاج جماعة الصدر إلى وجودهم إلى جانبها لاكتمال قوتها في كل انتخابات، ويجب أن لا يتم نسيان أن معظم النواب المستقلين التشرينيين في البرلمان الحالي كانوا سينضمون إلى ائتلاف إنقاذ الوطن، بعد أن كانوا يؤيدون جماعة الصدر تحت هذه العناوين الوطنية، لكن نتائج هذا التحالف كانت سلبية.
- التحدي الثالث يتعلق بكيفية العودة إلى السياسة، لأنه يجب مراعاة أن مغادرة مقتدى الصدر للسياسة بمعنى الانتخابات الخاصة به والعودة إليها دون أي إنجازات تجعل هذا الاختيار غير مبرر وخاطئ بشكل عملي.
بدون تعلیق