المقدمة
لا شك أنه يمكن اعتبار الشهيد آية الله محمد باقر الصدر واحدًا من أبرز النخب الفكرية في العالم الإسلامي المعاصر، الذي سعى في العراق لإحياء وتعزيز المجتمع الإسلامي، وفي النهاية تحول إلى شهيد هو مع أخته المكرمة إلى مقام الشهادة العالية. يهدف هذا النص إلى استعراض تفسير ونظرة الخامس للنهضة الحسينية، وتحليل دروس هذه الثورة العظيمة للوضع الراهن في العالم الإسلامي.
الحياة: ميدان صراع بين الحق والباطل
من وجهة نظر الشهيد الصدر، فإن الجهلية ليست مجرد مرحلة تاريخية انتهت (والتي كانت تتعلق بالعرب الجهلية في بداية الإسلام)، بل هي حالة اجتماعية يمكن أن تتكرر عندما تتوافر الظروف لذلك؛ لأن الجهلية في جوهرها هي الانحراف عن شريعة الله وتوجيهات الأنبياء، واتخاذ القرارات وفقًا لهوى النفس. كما جاء في القرآن الكريم: “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (المائدة: 50). عودة الجاهلية إلى ميدان الحياة تعني الابتعاد عن شريعة الله، وعداءً للنظام الإسلامي، وتحويل الأمة بعيدًا عن نور الحق والعدل نحو ظلم الظلم. كان انحراف بني أمية عن الطريق الصحيح والابتعاد عن الحق مثالًا جديدًا للجهلية. حكم بني أمية كانت مبنية على قوانين ونظام جاهلي، حاربه الإسلام، وفدى أبرز الأشخاص لتوجيه الأمة الإسلامية واستشهدوا.
قام الحسين (ع) لكشف حقيقة الحكام الذين كانوا يحكمون تحت اسم الدين، وفضح الطغاة الذين كانوا يدعون أنهم ورثة رسول الله (ص) ولكن كانوا يخفون حقيقتهم. مأساة الطفوفة ليست مجرد حادثة حزينة وعابرة حدثت في فترة معينة من التاريخ، بل هي تجسيد كامل لصراع الحق والباطل. العاشوراء هي ميدان حقيقي مليء بالحياة حيث يؤدي كل فرد، بالرغم من اختلافهم في السن والجنس، دوره: هناك المعصومون الذين لا يخطئون بغفلة، وهناك الجناة الذين لا يترددون في ارتكاب أبشع الأفعال. هناك امرأة وطفل رضيع وشيخ كبير في السن، هناك تائب ومذنب، هناك عظمة وعظمة، وكذلك الدناءة والذل. عاشوراء، على الرغم من أنها ليست مجرد مرحلة تاريخية، إلا أنها تعبر عن حالة الأمة التي انحرفت حكوماتها عن الطريق الصحيح وأبعدت المجتمع عن رسالته ومعتقداته حتى أصبحت أمة ميتة لا تفكر إلا فيما يدور حول نفسها. هذه الأمة التي وصلت إلى درجة لا يمكن وصفها من الخوف، تعرف أن العمل بالحق لم يُمارس، وأنه لا يتم منع الشر، تدرك ذلك ولا تظهر أي حركة. هذه الأمة قد وصلت إلى نهاية عمرها وهي ميتة، على الرغم من أن هناك أجسادًا تتحرك فيها.
القيام الحسيني والوضع الراهن في العالم الإسلامي
يعكس القيام الحسيني حالة الأمة التي وصلت إلى هذه الحالة المأساوية، وترتكب جريمة تاريخية وشيطانية مثل هذه. اليوم، عادت هذه الحالة من جديد؛ فالأمة الإسلامية تعيش في نفس الظروف التي كانت تعيش فيها أيام الإمام الحسين (ع)، وأن حكام الأمة انحرفوا عن رسالتهم وحضارتهم الإسلامية. تعيش هذه الأمة في خوف ورعب، ولا تفكر سوى في كلمة قصيرة تأتي وتذهب. الحل الوحيد هو أن يكون هناك حركة جادة تهز ضمائر هذه الأمة الخاملة وتوقظها وتعيدها إلى النمو. يجب أن تتضمن هذه الحركة كل العناصر التي كانت لحركة كربلاء: قيادة مقدسة ومبدعة تتمتع بالمكانة والشرف. القائد الذي لديه حجة معتبرة ليعاقب الحكام ويكشف عن انحرافاتهم عن الرسالة، تمامًا كما يلوم الأمة على صمتها وخضوعها الذليل والمهين. يجب أن يكون هذا القائد قادرًا على تقديم شعارات تشعل الثورة في نفوس الناس. يجب عليه أن يحمي بنفسه أهداف القيام والتزاماته الحقيقية ويثير عواطف ومشاعر الأمة.
بهذه الصفات، يجب أن يكون هناك حسين جديد لهذه الحركة، وزينب جديدة، ورجال مثل أصحاب الحسين (ع)، وهذا أمر مستحيل لأي شخص أن يكون لديه كل خصائص الحسين (ع) وعناصر قيامه بالكامل. لأن هذا الأمر مستحيل، فيجب أن تسفك قطرات من الدم ويكون هناك تضحيات كثيرة حتى يتشكل جزء من عناصر مأساة كربلاء ويتحرك ضمير هذه الأمة ويستيقظ. على المسلمين أن يكونوا قادرين دائمًا على الاستجابة لنداء الإسلام عندما يناديهم حتى يمكن أن يكون هذا السيل الدموي طريقًا للعودة إلى حقيقة الرسالة.
(ترجمة لخطبة الشهيد آية الله محمد باقر الصدر حول عناصر قيام الإمام الحسين (ع)، تمت ترجمتها من كتاب “إمامة أهل البيت ودورهم في تحصين الرسالة الإسلامية” لمؤلفه مهدي خوجهگي)
بدون تعلیق