المولف: مسعود كيا
المقدمة
شهدت العقود الأخيرة من الشرق الأوسط تصاعدًا ملحوظًا في المواجهات العسكرية والأمنية المعقدة بين إيران وإسرائيل. وبرزت هذه المواجهات بشكل خاص في العراق، الذي أصبح ساحة استراتيجية لهذا النزاع نظرًا لموقعه الجغرافي وقربه من دول الجوار المهمة إقليميًا. تحول العراق إلى محور للحروب بالوكالة والصراعات الاستخباراتية. فمنذ سقوط صدام حسين، ومع تزايد تواجد لاعبين إقليميين مثل إيران وإسرائيل، أصبح العراق مسرحًا للصراعات الاستخباراتية بين أجهزة الأمن الإيرانية والموساد، جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
مع افتتاح مكاتب حماس والحوثيين في بغداد، دخلت هذه الحرب الاستخباراتية مرحلة جديدة. هذه المكاتب، التي تتجاوز أدوارها الدبلوماسية، أصبحت مراكز لتبادل المعلومات والتنسيق الأمني. من خلال هذه المكاتب، تمكنت إيران من تعزيز نفوذها في العراق لتصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في هذه الساحة. في المقابل، ترى إسرائيل في هذه التحركات تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتسعى جاهدة إلى الحد من هذا النفوذ. هذه التحولات أدت إلى تغيير في ميزان القوى الإقليمية في غرب آسيا، حيث تعززت شبكة الردع القائمة على محور المقاومة في المنطقة.
خلفية الصراع الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل في العراق
يعود الصراع الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل في العراق إلى عدة عقود. بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، استغلت إيران الفراغ في السلطة لتعزيز نفوذها من خلال قواتها الوكيلة وأجهزة استخباراتها مثل فيلق القدس. في المقابل، عملت إسرائيل عبر الموساد على تكثيف نشاطها الاستخباراتي في العراق، خاصة في منطقة كردستان العراق، وذلك بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية وبعض الدول العربية. قام الموساد بتنفيذ عمليات ضد الشبكات الاستخباراتية الإيرانية والجماعات المدعومة من طهران. ومن أبرز الأمثلة على هذه المواجهات، اغتيال الشهيد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في يناير 2020، وهو اغتيال نسب إلى التعاون الاستخباراتي الوثيق بين الموساد ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA).
دور افتتاح مكاتب حماس والحوثيين في الحرب الاستخباراتية
افتتاح مكاتب حماس والحوثيين في بغداد يعد جزءًا من استراتيجية إيران لتعزيز وجودها ونفوذها في العراق. هذه المكاتب، إضافة إلى مهامها الدبلوماسية، تعمل كمراكز لتنسيق العمليات الاستخباراتية بين قوات المقاومة الفلسطينية واليمنية وأجهزة الاستخبارات الإيرانية. عبر هذه المكاتب، تستطيع إيران التواصل بسهولة مع جماعات المقاومة الفلسطينية واليمنية، وتبادل المعلومات المهمة بشأن الأنشطة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. تشعر إسرائيل بالقلق من أن هذه المكاتب قد تصبح قواعد للتخطيط لهجمات على مصالحها في المنطقة. نظرًا لقرب العراق من الحدود الإسرائيلية، وأهمية دوره في شبكات التسليح والدعم المالي للقوات الوكيلة لإيران، فإن هذه المكاتب قد تؤثر بشكل مباشر على العمليات العسكرية والأمنية ضد إسرائيل. الموساد يراقب هذه التطورات عن كثب، ومن المحتمل أن يقوم بعمليات ضد هذه المراكز أو الأفراد المرتبطين بها.
التداعيات الأمنية لإسرائيل
من منظور إسرائيل، يمثل افتتاح هذه المكاتب تصاعدًا في النفوذ الاستخباراتي لإيران في مناطق قريبة من حدودها. لذلك، تسعى إسرائيل باستمرار إلى الحد من نفوذ إيران في الدول المجاورة، خاصة في العراق. قام الموساد خلال السنوات الأخيرة بعدة عمليات لإضعاف الشبكات الاستخباراتية والعسكرية الإيرانية في العراق وسوريا. من أبرز هذه العمليات، الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت قواعد الميليشيات الشيعية والمراكز الاستخباراتية الإيرانية في العراق وسوريا. تهدف هذه الهجمات، التي يخطط لها وينفذها الموساد بالتعاون مع قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF)، إلى تدمير الأسلحة المتقدمة ومنع نقلها إلى القوات الوكيلة لإيران في المنطقة. إضافة إلى ذلك، يعتمد الموساد على الأدوات السيبرانية المتقدمة لرصد وإحباط العمليات الاستخباراتية الإيرانية في العراق.
التداعيات الدبلوماسية والإقليمية
افتتاح مكاتب حماس والحوثيين في بغداد لا يمثل فقط خطوة أمنية، بل هو جزء من استراتيجية دبلوماسية إيرانية لتعزيز نفوذها في المنطقة. تسمح هذه المكاتب لإيران بتعزيز علاقاتها مع قوات المقاومة عبر الدبلوماسية العامة وغير الرسمية، مما يعزز مكانتها في العراق والمنطقة. في المقابل، تتعاون إسرائيل مع الولايات المتحدة والدول العربية المناوئة لنفوذ إيران في محاولة لعزلها دبلوماسيًا وأمنيًا. وتعد العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد إيران وجماعاتها الوكيلة من الأدوات الرئيسية التي تستخدمها إسرائيل للحد من نفوذ إيران. ومع ذلك، تمكنت إيران من مواجهة هذه الضغوط من خلال شبكاتها الاستخباراتية ودعمها لقوات المقاومة، مما سمح لها بمواصلة تعزيز نفوذها.
الخاتمة
تحولت الحرب الاستخباراتية بين إيران والكيان الصهيوني في العراق إلى واحدة من أهم ساحات المواجهة الإقليمية. من خلال افتتاح مكاتب حماس والحوثيين في بغداد، عززت إيران وجودها ونفوذها في العراق والمنطقة. هذه المكاتب تعمل كمراكز استخباراتية وعملياتية، مما يسمح لإيران بالتعاون مع قوات المقاومة الفلسطينية واليمنية لمواجهة إسرائيل. في المقابل، تسعى إسرائيل من خلال الموساد وأجهزتها الاستخباراتية إلى تقليص هذا النفوذ ومنع التهديدات التي قد تواجه أمنها القومي. هذه الحرب الاستخباراتية التي بلغت ذروتها في العراق لا تؤثر فقط على أمن البلدين، بل تؤثر أيضًا على الوضع السياسي والأمني للمنطقة بأسرها، حيث تشهد معادلة القوة في غرب آسيا تحولات جوهرية.
بدون تعلیق