المولف: أسد أميري كيان
مقدمة
منذ هجوم داعش على العراق في 17 يونيو 2014، واستيلائها على حوالي 45% من أراضي هذا البلد خلال فترة قصيرة، تم القضاء عليها في نوفمبر 2017؛ إلا أن الخلايا النائمة لهذا التنظيم الإرهابي لا تزال نشطة في العراق وسوريا، وتقوم بعمليات إرهابية من حين لآخر. يعتقد الذين يتابعون تحركات داعش في العراق أو شرق الفرات في سوريا أن داعش لم تُهزم تماماً، وأنها لا تزال تخوض معارك ومناورات في مناطق محددة، ولديها قواعد لوجستية وخطط عملياتية. يبدو أن داعش فقدت قدرتها على الهجوم الشامل، وتستغل الفجوات الأمنية في العراق لتنفيذ هجماتها الإرهابية، خاصة في شمال العراق. ورغم أن تحركات داعش الحالية محدودة، إلا أن هذه الوضعية قد تتغير مع تزايد عدم الاستقرار الأمني في العراق، خصوصاً بسبب تدخلات القوى الإقليمية مثل الولايات المتحدة، التي قد تستفيد من تهديد داعش لتحقيق مصالحها واستمرار تواجدها في العراق.
دور الولايات المتحدة في تفعيل داعش
تسعى الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية في المنطقة من خلال خلق الفوضى المنظمة. القوافل العسكرية الأمريكية تنتقل بين العراق وسوريا في الوقت الذي تخوض فيه القوات الأمنية العراقية معارك ضارية مع داعش، دون أن تكون على دراية كاملة بتفاصيل العمليات العسكرية الأمريكية وما تنقله في عرباتها المدرعة. تسعى الولايات المتحدة من خلال داعش إلى الظهور بمظهر القوة التي تحارب الإرهاب، مدعية أن وجود قواتها ضروري لضمان أمن العراق، وأن غيابها سيؤدي إلى تصاعد تحركات داعش.
تتم الاختراقات الأمنية في العراق تحت مراقبة مباشرة من الولايات المتحدة، وحتى معلومات عن مواقع وتحركات قوات الحشد الشعبي تُنقل إلى داعش عبر الطائرات بدون طيار الأمريكية. كما أن أهم مراكز تجمع وتدريب وتنسيق قوات داعش تقع على الحدود بين العراق وسوريا وفي مناطق نفوذ القوات الأمريكية. تحلق طائرات الشينوك الأمريكية فوق العراق، وتتنقل بين سوريا والعراق دون أي رقابة تُذكر.
تثير تحركات هذه الطائرات العديد من التساؤلات، خاصة أنها تسير في مسارات تتواجد فيها خلايا داعش. ليس من المستبعد أن تكون لهذه الطائرات علاقة مباشرة بتحركات داعش في ديالى وغيرها من المحافظات، خاصة أن تحركاتها المشبوهة رُصدت في العديد من المناطق. يبدو أن الولايات المتحدة، في ظل الضغوطات عليها للانسحاب من العراق، ترى أن من مصلحتها إبقاء تهديد داعش حياً واستخدامه كوسيلة ضغط لفرض استمرار وجودها في العراق على الحكومة العراقية.
استراتيجية داعش العسكرية الجديدة
يشعر الجميع في منطقة غرب آسيا عموماً، وفي العراق وسوريا خصوصاً، بخطر داعش. حيث تحاول عناصر داعش تدريجياً الابتعاد عن استراتيجية العمليات الفردية، وتسعى لتشكيل خلايا متماسكة لتنفيذ هجماتها الإرهابية. تظهر طبيعة عمليات هذه الجماعة التكفيرية خلال العام الماضي أنها تسعى لتوحيد عملياتها. لذلك، تحاول داعش إبقاء الأوضاع مضطربة في المناطق المستهدفة، وتقوم بالهجمات الفردية بين الحين والآخر لتحقيق هذا الهدف وإعادة تنظيم صفوفها.
تتبع داعش حرب الاستنزاف بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر بالقوات الأمنية العراقية وتدمير البنية التحتية للعراق. ورغم تحركات داعش الحالية في العراق، فإن الحقيقة هي أن التكفيريين ليس لديهم القدرة على شن هجمات واسعة النطاق، ويلجأون إلى الهجمات المفاجئة، معتمدين على مبدأ المباغتة. ما يمكّن داعش من اتباع هذه الاستراتيجية هو اختباؤها في المناطق الوعرة واستخدامها للفجوات الأمنية لاستهداف القوات العراقية. تحتاج داعش لدعم شعبي لمواصلة تحركاتها، ويمكن للحكومة العراقية بزعامة السوداني اتخاذ إجراءات فعالة لمنع داعش والجماعات الإرهابية الأخرى من استقطاب الفقراء في العراق. حالياً، رغم الهجمات المفاجئة التي تنفذها، فإن داعش تتراجع لأنها تفتقر للموارد المالية والبشرية، خاصة في صفوفها العليا. ومع ذلك، لا ينبغي التقليل من خطر هذه الجماعات الإرهابية، خاصة أن الولايات المتحدة يمكنها في أي وقت تحويلها إلى تهديد شامل كما في الماضي ضد الحكومة والشعب العراقي.
الاستنتاجات
تبنت داعش من يناير حتى يونيو من هذا العام مسؤولية 153 هجوماً في العراق وسوريا، مما يشير إلى أنها تسعى لمضاعفة عدد الهجمات التي نفذتها في عام 2023. أعلنت الأمم المتحدة في تقرير لها في يناير الماضي أن تقديراتها تشير إلى أن داعش لا يزال لديها حوالي 3000 إلى 5000 عضو في العراق وسوريا. يمكن أن يزيد عدد الهجمات وأعضاء داعش إذا لم تتخذ الحكومة العراقية خطوات لتعزيز البنية التحتية وتحسين الأوضاع المعيشية للشعب. من ناحية أخرى، قد تؤثر المفاوضات بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية حول انسحاب القوات الأمريكية على مصير داعش وأمن العراق بشكل عام.
بدون تعلیق