انتشار الشعور بالإهانة والإحباط في العراق وتأثيره على ظهور الجماعات التكفيرية

المولف: مسعود كيا

هناك علاقة معقدة بين الشعور بالإهانة والإحباط وظهور التيارات الراديكالية في العراق. فقد أدى الاستعمار والتدخلات المستمرة للقوى الدولية والإقليمية، مثل احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق ونهب موارد هذا البلد، وفشل أيديولوجيات البعثية والقومية، والدكتاتورية الوحشية لصدام إلى جانب الفقر والبطالة الواسعة، والفساد الاقتصادي وفشل الحكومات العراقية في تطبيق سيادة القانون، إلى تدهور مفهوم الهوية الوطنية وخلق شعور بالإهانة واليأس والإحباط في هذا البلد. وقد أتاح هذا الأمر الفرصة لنشاط الجماعات التكفيرية والراديكالية للعب دور في المجال السياسي العراقي.

  1. العوامل التاريخية والسياسية
    • الاستعمار والتدخل الأجنبي

إن التاريخ السياسي للعراق هو تاريخ الاستعمار وتدخل القوى الكبرى في هذا البلد. فقد أدى التاريخ الطويل لهذه التدخلات إلى إضعاف الهياكل الداخلية وخلق شعور بعدم الثقة تجاه القوى الأجنبية بين الناس. فعلى سبيل المثال، أدى تدخل بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى وفرض الملكية على الشعب العراقي إلى خلق شعور بعدم الثقة وعدم الشرعية تجاه الحكومة. كما لعبت العقوبات الدولية بعد حرب الخليج في تسعينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى الانهيار الاقتصادي والإنساني للعراق، دورًا رئيسيًا في خلق الشعور بالإهانة واليأس.

2-1. دكتاتورية صدام حسين

اتسم نظام صدام حسين بالقبلية والقمع الوحشي والفساد وسوء الإدارة على نطاق واسع. وقد أدت سياساته التمييزية ضد الأقليات الدينية والعرقية إلى تأجيج الانقسام والصراعات الداخلية. كما أدى القمع الوحشي للشيعة والأكراد، مثل جريمة الأنفال، إلى خلق شعور عميق بالإهانة والإحباط في هذه المجتمعات.

3-1. فشل أفكار القومية والبعثية

أحد العوامل السياسية المهمة التي ساهمت في ظهور الجماعات التكفيرية هو فشل أفكار القومية العربية والبعثية. فقد فقدت هذه الأيديولوجيات، التي كانت في وقت ما مصدر أمل وهوية للعديد من العراقيين، مصداقيتها بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة والهزائم العسكرية. وقد هيأ هذا الفراغ الأيديولوجي الأرضية لظهور الإسلام التكفيري كهوية بديلة ومقاومة ضد الاحتلال الأجنبي والفساد الداخلي. وتمكنت هذه الجماعات، من خلال تقديم هوية جديدة ووعد بتحقيق العدالة، من جذب الشباب اليائس والمحبط نحوها.

4-1. الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق

1-4-1.نهب موارد العراق

كانت إحدى التبعات المباشرة لاحتلال العراق من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة هي نهب الموارد الطبيعية والاقتصادية لهذا البلد. وتشير تقارير متعددة إلى أن مليارات الدولارات من الموارد النفطية والمساعدات الإعمارية قد تم إخراجها بشكل غير قانوني من العراق. ومن الأمثلة البارزة على ذلك اختفاء حوالي 8.8 مليار دولار من ميزانية إعادة إعمار العراق من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة في عامي 2003 و2004، والذي تم الإبلاغ عنه من قبل مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي

.2-4-1. المعاملة المهينة للشعب العراقي من قبل الأمريكيين

ساهم سلوك القوات الأمريكية تجاه الشعب العراقي بشكل كبير في تأجيج مشاعر الإهانة والاستياء. وقد تم الإبلاغ عن العديد من حالات سوء المعاملة والعنف من قبل الجنود الأمريكيين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك فضيحة سجن أبو غريب التي تم الكشف عنها في عام 2004. وتظهر الصور والتقارير المنشورة من هذا السجن أن السجناء العراقيين تعرضوا لتعذيب شديد ومعاملة مهينة. ولم تؤد هذه الأحداث إلى تأجيج الغضب العام فحسب، بل ساهمت أيضًا في زيادة الدعم للجماعات المسلحة والمتطرفة.

  1. العوامل الاجتماعية والاقتصادية
    • الفقر وعدم المساواة

يعد العراق من أكثر البلدان عدم مساواة في العالم. فمؤشر جيني، الذي يقيس مستوى عدم المساواة الاقتصادية، مرتفع جدًا في العراق. ووفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2022، يعيش حوالي 41.4% من سكان العراق تحت خط الفقر. وقد فاقمت السياسات الاقتصادية الخاطئة والفساد المستشري في الحكومة من هذه المشاكل. وعلى وجه الخصوص، تعاني المناطق ذات الأغلبية السنية، التي تم تهميشها في فترة ما بعد سقوط صدام حسين، من الفقر الشديد ونقص الخدمات الأساسية

2-2. البطالة

معدل البطالة في العراق مرتفع، خاصة بين الشباب. فوفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية (ILO) لعام 2022، يصل معدل بطالة الشباب في العراق إلى أكثر من 25%. ويمكن أن يؤدي هذا إلى الشعور بالاغتراب واليأس. فالشباب العاطلون عن العمل يمكن أن ينجذبوا بسهولة إلى الجماعات المتطرفة التي تعدهم بالوظائف والدخل والهوية. وقد أدت البطالة المزمنة ونقص الفرص الاقتصادية إلى استياء واسع النطاق بين الشباب وجعلتهم عرضة للانضمام إلى الجماعات المسلحة

3-2. الفساد الاقتصادي

صنفت منظمة الشفافية الدولية في تقريرها لعام 2022 العراق في المرتبة 160 من أصل 180 دولة في العالم من حيث مؤشر مدركات الفساد. وقد ضاعت مليارات الدولارات من الميزانيات الحكومية والمساعدات الدولية بسبب الفساد والاختلاس. ومن الأمثلة البارزة على ذلك التقارير المنشورة حول اختلاس أكثر من 2.5 مليار دولار من وزارة المالية العراقية في عام 2021. ولم يؤد الفساد المستشري إلى عدم كفاءة الحكومة وتراجع الثقة العامة فحسب، بل هيأ أيضًا الأرضية لنمو الاقتصاد غير الرسمي والجماعات الإجرامية.

4-2. ضعف سيادة القانون

سيادة القانون في العراق ضعيفة للغاية. فقد وضع مؤشر سيادة القانون للبنك الدولي لعام 2022 العراق في أدنى المراتب. وفي هذا البلد، غالبًا ما يتم تجاهل القوانين الرسمية واستبدالها بممارسات شخصية وعرقية وقبلية. وقد أدى هذا الوضع إلى لجوء الناس إلى الزعماء القبليين والمحليين بدلاً من الثقة في النظام القضائي والحكومي. ونتيجة لهذا الضعف في سيادة القانون، انتشر الظلم واليأس في المجتمع. ووفقًا للتقارير المنشورة، فإن حوالي 50% من القضايا القانونية في العراق تبقى دون معالجة، ولا يعتقد الكثير من الناس في تحقيق العدالة من خلال النظام القضائي. وقد دفع هذا عدم الثقة في المؤسسات الحكومية والقضائية الناس نحو الجماعات المتطرفة التي تعد بتحقيق العدالة السريعة والحاسمة.

  1. ظهور الجماعات التكفيرية

تعاونت هذه العوامل معًا لخلق ظروف مواتية لظهور الجماعات التكفيرية في العراق. وغالبًا ما تستغل هذه الجماعات مشاعر الإهانة والإحباط لدى الشعب العراقي لجذب الأتباع وتبرير عنفها. ويعد ظهور جماعات مثل داعش والقاعدة نتيجة مباشرة لهذه الاستياءات وعدم الاستقرار.

اسکن کنید

بدون تعلیق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *