المولف: أسد أميري كيان
المقدمة
في السنوات الأخيرة، نفذت تركيا عمليات عسكرية عديدة في شمال العراق، وقد واجهت هذه العمليات اعتراضات من قبل بغداد. ترى تركيا أن العراق غير قادر على حماية حدوده بشكل فعال، ولذلك تضطر لتنفيذ هذه العمليات بشكل متكرر لحماية حدودها. تعود جذور هذا القلق التركي إلى اتفاقية سابقة بين تركيا والعراق في عهد صدام، والتي تسمح لكلا البلدين بالدخول إلى عمق خمسة كيلومترات داخل أراضي البلد الآخر لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، تجاوزت تركيا هذا الحد في السنوات الأخيرة، حيث توغلت حتى ٤٠ كيلومتراً وأحياناً أكثر داخل الأراضي العراقية، مما أدى إلى تصاعد حالة الاستياء بين العراقيين ودفع البلدين إلى التفاوض للوصول إلى تفاهم مشترك.
بنود ونتائج الاتفاقية الأمنية بين تركيا والعراق
في اجتماع أمني رفيع المستوى في أنقرة، حضره وزراء الخارجية والدفاع من كلا البلدين، تم التوصل إلى اتفاق لإنشاء مركزين مشتركين للتنسيق والتدريب لمكافحة التهديدات الإرهابية، الأول في بغداد والثاني في قاعدة عسكرية تركية قرب الموصل شمال العراق. هذا الاجتماع الأمني جاء تتويجاً للاتفاقيات التي تمت خلال زيارة الرئيس أردوغان للعراق في مايو الماضي. طلبت تركيا من العراق اتخاذ خطوات حاسمة ضد حزب العمال الكردستاني (PKK)، ورداً على ذلك، أعلنت بغداد لأول مرة اعتبار الحزب مجموعة غير قانونية، مما يشكل خطوة كبيرة تلبي مطالب تركيا. حصلت تركيا على امتيازات مهمة خلال زيارة وزير الخارجية العراقي الأخيرة، بما في ذلك تعزيز تواجدها العسكري في العراق، وكذلك التعاون في قضايا تتعلق بحزب العمال الكردستاني.
كما قدمت تركيا امتيازات للعراق، منها إلغاء التأشيرات للعراقيين الذين تزيد أعمارهم عن خمسين عاماً وتقل عن خمسة عشر عاماً، وهي خطوة طال انتظارها من الجانب العراقي. يعكس الاتفاق بشأن حزب العمال الكردستاني تقدم تركيا بالتعاون مع العراق لمكافحة مشتركة ضد الحزب، وهو هدف استراتيجي لأنقرة التي تسعى إلى عمليات مشتركة مع بغداد وأربيل رغم عدم تحقق ذلك حتى الآن.
بالنظر إلى المفاوضات بين قيادات البلدين، يبدو أن بغداد حصلت على امتيازات تتعلق بالمياه، وإلغاء التأشيرات، والاستثمار في مشاريع تنموية مقابل اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، فإن احتمال تنفيذ عمليات مشتركة ضد الحزب في المستقبل القريب يبدو ضعيفاً، حيث قد تكون العواقب على بغداد أكبر. إلا أن تركيا تواصل سعيها للوصول إلى هذا المستوى من التعاون مع العراق.
في ضوء التقدم الإيجابي في المفاوضات وتبادل الامتيازات، أعلنت وزارة الدفاع التركية مؤخراً عن إنشاء مركز تنسيق أمني مشترك في بغداد يضم جنرالات وضباط من البلدين لتعزيز التعاون في مواجهة التهديدات الأمنية المشتركة. ويشكل هذا المركز جزءاً من مذكرة تفاهم وُقعت في اجتماع رفيع المستوى في أنقرة بتاريخ 15 أغسطس، مما يعكس تعميق التعاون العسكري بين البلدين بعد سنوات من التوتر الناجم عن العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. كما تتضمن المذكرة إنشاء “مركز تدريب وتعاون مشترك” في قاعدة بعشيقة شمال العراق، حيث سيتم تدريب الكوادر العسكرية التركية والعراقية وتبادل الخبرات بينهم. الهدف من هذه المبادرة هو تعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية في مكافحة الإرهاب وتأمين المنطقة. بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب، يشمل الاتفاق تعزيز الأمن الحدودي المشترك، ومكافحة الهجرة غير القانونية، والتهريب، والجريمة المنظمة.
الخاتمة
تحتاج تركيا إلى دعم بغداد وأربيل بشكل كبير في قضية حزب العمال الكردستاني، وتضغط عليهما لدفع الحزب إلى عدم اتخاذ أي خطوات ضدها، وإلا فإنها ستسعى إلى التعاون معهما لمواجهته بشكل مشترك. نظراً لاعتماد العراق على تركيا في قضايا المياه واستثمارات مشاريع التنمية، تستخدم أنقرة هذه النقاط كأدوات ضغط لتحقيق أهدافها الأمنية فيما يتعلق بحزب العمال الكردستاني. إن إعلان الحزب كمجموعة غير قانونية، ومنع الأحزاب المرتبطة به من المشاركة في الانتخابات العراقية، والاعتراف بالقاعدة العسكرية التركية في شمال العراق كقاعدة تدريبية، يمثل مكسباً كبيراً لتركيا. تسعى تركيا على المدى الطويل إلى إنشاء ممر أمني باستخدام أراضي سوريا والعراق، وتأتي محاولاتها لتطبيع العلاقات مع سوريا كجزء من هذه الاستراتيجية. تستخدم تركيا العوامل الاقتصادية والمياه كأدوات ضغط لفرض مصالحها على العراق، ويبدو أن نتائج هذه الجهود حتى الآن مُرضية بالنسبة لأنقرة.
بدون تعلیق